top of page
1/3

مُلقين كل همكم عليه


“مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ.”

(١بُطْرُسَ ٥: ٧)


القلق مزعج، يتسلل الينا في الأوقات التي لا نتوقعها على الإطلاق ويغرقنا بسرعة. عندما نفكر في الأمر، ندرك أن أسباب القلق هي نفسها عند الكل. قد تتخذ هذه الاسباب وجًوهًا مختلفة، وقد يدفعها ظروف متفاوتة، لكن القضايا نفسها متشابهة بشكل ملحوظ.


عندما نواجه القلق، غالبًا ما نحاول تجاهله عن طريق الهاء عقولنا: "من الممكن ان نستمع لبعض الموسيقى. او نذهب للتسوق، او ممارسة الرياضة. او نفعل اي شيء يُلهينا...المهم ان نهرب من مخاوفنا وافكارنا عما يحدث (اوبئة) او سيحدث (حروب، وكوارث طبيعية)!


ومع ذلك نلاحظ، أن الرسول بطرس في هذه الآية لا يقول أننا يجب أن ننكر أو نتجاهل أو نهرب من القلق. ولكن يجب أن "نلقي كل همومنا (مخاوفنا – قلقنا) عليه". الكلمة اليونانية ل"ملقين" هنا هي كلمة عمل حاسمة وحيوية. وقد يتم استخدامها أيضًا لوصف التخلص من اكياس القمامة. ونحن عادة لا نبذل جهودًا مضنية في القاء القمامة، نحن ببساطة نأخذها ونلقيها في السلة. وبالمثل، فبدلاً من أن ننهار تحت وطأة القلق، علينا أن نلقيه على الرب.


والسبب أيضًا هنا يقدمه لنا بطرس الرسول بكل ببساطة، وهو ان الله "يعتني" بنا، والعناية هنا ليست فقط الاهتمام بأمر ما ورعايته ولكن أيضًا تشير الى الحفظ والإدارة، فالله يعتني بكل ظروف وكل الأشياء عناية كاملة، فهو "حامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عب١: ٣)، ويحفظ كل الأشياء بإدارة نشطة "أَلَيْسَ عُصْفُورَانِ يُبَاعَانِ بِفَلْسٍ؟ وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا لَا يَسْقُطُ عَلَى ٱلْأَرْضِ بِدُونِ أَبِيكُمْ.” (مت١٠: ٢٩)


وهذا الامر محوري في تعاملنا مع القلق حيث اننا نلقي به في يد الاذي يحمل كل الأشياء، وهكذا نطمئن ونشعر بالسلام اننا حتى اذا واجهنا الموت الجسدي، فهو بتعيين وقصد وإرادة الهية، وان هذه الإرادة لديها من الحكمة والصلاح الذي يضمن لنا السلام في المرض والحرب والموت.


فعمل المسيح على الصليب لم يضمن لنا فقط غفران الخطايا، بل الاتحاد بشخصه الى الابد. وبهزيمة الموت في القيامة، صار لنا الموت الجسدي جسرًا لحياة افضل، وصار المستقبل بلا ألم او حزن او مرض او شر.


وهكذا اصبح ما يحدث وما سيحدث هو في خدمة الحياة وليس الموت، فان مرضنا او فقدنا حياتنا على الأرض، نصير معه ومن مجد الى مجد.


ونحن نحصل على الحياة الأبدية وغفران الخطايا فقط بالايمان بيسوع المسيح وليس عن طريق اعمالنا او اجتهادنا الشخصي، فاعظم أسباب القلق ليس في الظروف في حد ذاتها ولكن اتكالنا على ذواتنا.


لذلك، سوف يساعدنا أيضًا اذا قرأنا الآية في سياقها: “فَتَوَاضَعُوا تَحْتَ يَدِ ٱللهِ ٱلْقَوِيَّةِ لِكَيْ يَرْفَعَكُمْ فِي حِينِهِ، مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ.” (١بط٥: ٦-٧) وبعبارة أخرى ، فإن التواضع يؤدي إلى غياب القلق. وعندما نتكل على انفسنا في إدارة الأمور نواجه الكثير من القلق، وفيه نعلن اننا قادرين ان ننجز وننجح ونتغلب على الظروف دون مساعدة من الاب السماوي، وهنا نسقط.


فسواء كانت البطالة أو الامتحانات أو العزوبية أو الامراض المتكررة والحروب، نحن لا نتمكن من إزالة أسباب قلقنا.


والرسول بطرس هنا لا يعالج الظروف، بل يعالج القلق الناتج عن الظروف او بالأحرى عن عدم تواضعنا. قلقنا في حد ذاته هو ما نلقيه على الرب، ونفعل بالضبط ما يقول الكتاب المقدس أن نفعله، ان نضع أنفسنا تحت يد الله، قائلين: "فلتكن ارادتك لا ارادتنا"، وهكذا تنشغل اذهاننا بما هو اعظم واثمن، ويتسلل الينا سلام الله الذي يفوق كل عقل شيئًا فشيئًا، حتى ندرك قيامة الأموات.


قد نكافح اليوم، على أمل أن نصل إلى الغد. ربما مرت فترة طويلة منذ أن ركعنا وسجدنا امام الآب وألقينا بعبئها وقلقنا حقًا على الشخص الوحيد القادر على حمله، قائلين: "يا إلهي، لا يمكننا أن نعيش حياتنا مع هذا النير الثقيل الحمل على اعناقنا. بل نريد ان نحمل نيرك الهين وحملك الخفيف".


فنحن لا يمكن ان نختبر الحرية والسلام والفرح الحقيقي بدون ان نلقي بقلقنا واحمالنا على الآب السماوي بواسطة وشفاعة الابن يسوع المسيح وبشركة وقوة الروح القدس.

29 views0 comments

Recent Posts

See All

Comments


bottom of page