رأس الكنيسة
ان هروب البعض من الكنيسة يأتي دائما بحجة فساد الكنيسة واحتوائها على جماعة من المتكبرين الذين ينظرون لغيرهم بنظرة دونية، أو بسبب التحزبات الداخلية ومعاملة من هم من خارج على انهم غرباء.
وهذا بالفعل يحدث في الكنيسة منذ نشأتها، فكنيسة كورنثوس كانت تعاني انقسامات بسبب تحزبات، وبسبب وعظ الحكمة البشرية بدلا من وعظ كلمة الله، وغيرها من المشاكل.
ومع ذلك، لم يطالب بولس الرسول أحدا منهم بمغادرة الكنيسة، بل شدد على ان الكنيسة جسد وكل من فيها هم أعضاء هذا الجسد، ولكنه جسد ضعيف يحتاج رعاية وبناء من كلمة الله الى ان يأتي المسيح.
وأعلن الرسول بولس في رسالته ان سبب الانقسامات والانحراف الذي في الكنيسة يكمن في انتفاخ شعبها وقادتها، فالأمر يبدأ من الفرد ودافع قلبه، فكل فرد هو حجر مبني على اساس الرسل والانبياء، الذي هو كلمة الله، ويسوع المسيح هو رأس الزاوية، وهكذا فأن صلابة وثبات كل عضو في الكنيسة تأتي من ارتباطه بالأساس وحجر الزاوية.
فاكثر ما يجعل الانسان يبتعد عن الكنيسة هو اتجاه قلبه وليس مواصفات الكنيسة، فمن يأتي للكنيسة ليشبع رغبته في كسب العلاقات والنجومية، أو لكي يجمع البعض لخدمة مصالحه الشخصية وشبعه النفسي، سيصطدم بحجر عثرة، الذي هو حجر الزاوية.
فيسوع المسيح الذي هو رأس الكنيسة وربها، لم يبحث عن مال او علاقات وسلطة، بل بحث في القلوب، ولم يأت ليُخدم بل ليخدم ويبذل نفسه من اجل كنيسته، ومات وحيداً، لكي يعطي الاموات غلبة وقيامة، فأن كان الانسان في المسيح فهو خليقة جديدة تشابه صورة المسيح، فالانسان الجديد يطلب ما هو للآخر ولا يطلب ما لنفسه، ويأتي للكنيسة ليخدم لا ليُخدم، مشابهاً صورة سيده، وحتى في بذله وعطائه يرى في نفسه انه عبد بطال وفضل قوته لله وليس منه، هذا هو مثال المسيح الذي يعطي نفسه بسرور من اجل الآخرين.
أما من يأتي للكنيسة ليطلب المجد الذاتي، سيجد نفسه وحيداً في النهاية، هذا ان كانت الكنيسة حقيقية ومازالت تحتفظ برأسها، لأن الكنيسة ليست مكان لاظهار الذات بل لبذل الذات. وكل من يأتي فيها ليثبت ذاته سيكشفه نور الكلمة، لأن الارتباط بجسد المسيح معتمد على عمل المسيح والحق الكتابي، ويقوم على إنكار النفس وليس اثباتها.
وفي المقابل فأن الكنيسة غير الحقيقية التي تخلت عن مركزية المسيح، واهتز أساسها، الذي هو كلمة الله، ونادت بتشجيع النفس واثباتها، فقدت معايير المسيح واصبح مقياس قوتها في كثرة مواهبها وتنوعها، وليس في مشابهة شخص يسوع، وبالتالي فقدت القدرة على تمييز المزيف، وفرز الزوان عن الحنطة.
فعندما نرى الكثيرين من خدام المسيح يبحثون عن إثبات النفس، سنجد ورائهم كنيسة قد ضلت طريقها عن كلمة الله، وذهب رعاتها وقادتها نحو المداهنة والرياء.
لأن الكنيسة الحقيقية هي جماعة من اولاد الله الذين يعبدون بكلمة الله، ليرسلوا بإنجيل الله، وليست جماعة من المصارعين يقاتلون بعضهم بعضا في حلبة لتسلية المشاهدين، وفوز الاقوى.
Comments