الصفات الغير مشتركة مع البشر (2)
عدم التغير.. ثابت (صخرة)
الله غير متغير في كيانه وكماله ومقاصده ووعوده..
لكن الله يعمل ويشعر.. وهذان العمل والشعور يختلفان بحسب اختلاف الظروف..
مِنْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ تَبِيدُ وَأَنْتَ تَبْقَى وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى كَرِدَاءٍ تُغَيِّرُهُنَّ فَتَتَغَيَّرُ. وَأَنْتَ هُوَ وَسِنُوكَ لَنْ تَنْتَهِيَ. مز 102: 25 – 27
نرى هنا بوضوح كيف ان الخليقة تتغير ولكن الله لا يتغير.. لقد وُجد الله قبل الخليقة وسيظل باقياً الى الابد. الله جعل الكون متغيراً وبالمقارنة مع التغير يظل هو ثابتاً.
يقول الله مشيراً الى صفاته الشخصية من صبر وطول اناة: "لأني انا الرب لا اتغير فأنتم يا بني يعقوب لم تفنوا" (مل 3: 6).
ويذكر يعقوب ان كل العطايا الصالحة تأتي من عند الله "الذي ليس عنده تغيير او ظل دوران" (يع 1: 17)
وهو يقصد ان العطايا الصالحة تأتي دائماً من عند الله ولأن الله ثابت سنظل نتوقع انه سيعطينا عطايا صالحة في المستقبل.
لذلك عندما ذكر الله انه ثابت لا يتغير فهو يخص بذلك طبيعته وصفاته وهي التي تميز بين كونه الخالق وبين المخلوقات المتغيرة.
- هو ايضاً ثابت تجاه مقاصده “أَمَّا مُؤَامَرَةُ الرَّبِّ فَإِلَى الأَبَدِ تَثْبُتُ. أَفْكَارُ قَلْبِهِ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ.” مز 33: 11.
- فالله له مقاصد وله كل القدرة والسلطان لتحقيق هذه المقاصد الحتمية في التاريخ من البدء للأبدية كلها.
ولكن بالرغم من ان الله لا يتغير في صفاته او مقاصده لكنه قد يغير فكره تجاه موقف معين.. فهناك نصوص كتابية كثيرة تقول بأن الله أنذر بأن يدين شعبه ولكن بسبب صلاة هذا الشعب او توبته فهو رجع عن دينونته..
- هناك امثلة كثيرة منها: نجاح صلاة موسى في منع فناء الشعب (خر32: 9 -14) واضافة خمسة عشر عاما لحزقيا (اش 38: 1- 6) عدم دينونة نينوى في مناداة يونان
- ونصوص أُخرى تقول بأن الله حزن وتأسف انه خلق الانسان في الارض (تك 6: 6) او انه ندم انه جعل شاول ملكاً (ا صم 15 :10)
لذلك يجب فهم هذه المقاطع على انها تعبيرات حقيقية تصف اتجاه الله او عزمه في ضوء الاوضاع الموجودة في تلك اللحظة التي إذا تغيرت سيغير الله ما اراد ان يفعله في تلك اللحظة.. لذلك فالله يتجاوب بطرق مختلفة في المواقف المختلفة.. فالله كان سيرسل الدينونة حقاً إذا لم يتجاوب الانسان بالتوبة. فالتوبة او الصلاة هي جزء من وضع جديد يجعل الله يتجاوب بطرق مختلفة.
- عندما يذكر الوحي نسب مشاعر الى الله فهذا لا يعني انه متغير مثلنا فاللغة عاجزة عن وصف هذا الكائن العظيم الذي لا مثل له.. لكن الروح القدس اختار هذا الوصف ليساعدنا على فهم كيفية تجاوب الله لأفعالنا.
- حقاً انها صفة عجيبة فالله فبالرغم من كون الله الغير محدود لا يتغير ويظهر بأنه حتى الغير متألم مثلا كما يقول بولس وبرنارا عندما رفضا عبادة اهل لسترة لهم في اع 14: 15) «أَيُّهَا الرِّجَالُ لِمَاذَا تَفْعَلُونَ هَذَا؟ نَحْنُ أَيْضاً بَشَرٌ تَحْتَ آلاَمٍ مِثْلُكُمْ نُبَشِّرُكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا مِنْ هَذِهِ الأَبَاطِيلِ إِلَى الإِلَهِ الْحَيِّ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا “انهم بشر تحت الالام مثلهم وليسوا إلهه.. الا ان الكتاب يذكر في مواضع عديدة ان الله يتجاوب مع فعل البشر بالفرح والحزن والغضب والترأف فهو إله محب وعطوف.. وبلا شك فنوعية مشاعر الله قد تكون مشابهة لنا لكنها مشاعر مقدسة كاملة غير مغيرة في ذاته الالهية.. او حتى تغير من ثبات مقاصده التي حتما ستتم..
جوهر هذه الصفة هو ان الله يجمع بين اللامحدودية والذاتية: أي ان الله غير محدود فهو غير خاضع لأي محدوديات البشر او الخليقة بصفة عامة فهو أعظم جداً بما لا يقاس من خليقته.. لكنه في نفس الوقت ذات اي يستطيع التفاعل معنا كشخص ونستطيع نحن ان نتعامل معه كأشخاص.. فيمكننا ان نصلي له ونعبده ونطيعه ونحبه وهو يمكن ان يتكلم لنا ويفرح بنا ويحبنا.. هذا حقا ما يميز الله الحقيقي المعلن في الكتاب المقدس عن اي إله في اي دين او فلسفة.. فهناك يكون إما الاله محدود وسط الكثير من الآلهة مثل الآلهة اليونانية القديمة، او انه غير محدود لكنه غير متفاعل مع العالم مثل مذهب الربوبية Deism، او مثلا كأنه محدود حتى نستطيع قبول ان له ذات نستطيع التعامل معه كمذهب وحدة الوجود Pantheism.
هذه الصورة التي يعلنها لنا الكتاب المقدس التي تفوق عقلنا او حتى تشبيهاتنا بالله لأي شيء من خليقته تملأنا بالخشوع والهيبة والحب ايضا تجاه ذلك الاله.
- فهو إله ثابت لا تتغير صفاته او مقاصده لكنه قادر على التحدث الينا وان وجودنا له قيمة وتأثير لأننا نستطيع ان نغير في الاحداث ونؤثر في الطريقة التي تحقق مقاصده.
Comments